¤ الخطبة الأولى:

الحمد لله ربنا الرؤوف الرحيم، العزيز الكريم ، خلقنا لعبادته وجعل ذلك شرفًا للمؤمنين، ورفعةً للمتقين، وأعلى مقاماتهم التي بها تعلوا درجاتهم، وينالون بها كرامة الله في الآخرة ، وتنشرح به صدورهم ، وتطمئن به قلوبهم ، ويحصلون بها على الحياة الطيبة التي لايمكن تحصيلها أبدًا في غيره، ولو اجتمعت لهم ملذات الدنيا كلها ، قال تعالى: “مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” [النحل -٩٧].
والعبادة هي التي من أجلها خلق الله الخلق “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون”[الذاريات -٥٦].
وفي الدنيا ميدان التنافس للحصول والفوز بجنات النعيم، قال الله تعالى: “إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ” [المطففين ٢٢-٢٨].
 
روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه -قال: قال رسول الله  -صلى الله عليه وسلم-: “إن لله ملائكةً يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله،  تنادوا هَلِمّوا إلى حاجاتكم قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال: “فيسألهم ربهم -عز وجل- وهو أعلم بهم، ما يقول عبادي؟ قال: تقول: “يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون : لا والله مارأوك، قال: فيقول: كيف لو رأوني ؟ قال، يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة ،وأشد لك تمجيدًا، وأكثر لك تسبيحًا، قال: يقول : فما يسألوني ؟ قال: فيقولون: يسألونك الجنة، قال: يقول: وهل رأوها ؟، قال: يقولون: لا والله يارب ما رأوها ؟، قال: فيقول: فكيف لو أنهم رأوها؟، قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصًا، وأشد لها طلبًا، وأعظم فيها رغبة، قال فمما يتعوذون؟، قال: يقولون: من النار، قال: يقول: وهل رأوها ؟ قال: يقولون: لا والله يارب ما رأوها، قال: يقول: فكيف لو رأوها؟، قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد منها فرارًا، وأشد لها مخافة، قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم، قال: يقول ملكٌ من الملائكة: فيهم فلانٌ ليس منهم، إنما جاء لحاجة، قال: هم الجلساء لايشقى جليسهم” 
 
فيا عباد الله اتقوا الله وءامنوا به واعملوا صالحًا لعلكم تربحون وتفوزون، واحرصوا على مجالس الذكر والعلم، “وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ” [آل عمران -١٣٣].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
 

¤ الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، وقائد الغر المحجلين ، نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: عباد الله لقد أعد الله لعباده الصالحين “مالا  عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر”؛ ولهذا أمرنا الله في كتابه أن نسارع بالأعمال الصالحات للفوز بجنةٍ عرضها السموات والأرض فقال عز وجل: “وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُون أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ” [آل عمران/١٣٣-١٣٦].

روى البخاري في صحيحه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: “قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين مالا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر،قال أبو هريرة : فاقرؤوا إن شئتم “فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” [السجدة-١٧].

عباد الله وإن الشوق لرؤية الله هي من خصال وصفات أهل القلوب النظيفة السليمة التي أحبت الله واشتاقت لرؤيته وللقاءه، وأن رؤية الله في جنات النعيم هو أعظم نعيم الجنة؛ ولهذا سأل الصحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- عن رؤية ربهم شوقًا له، ومحبةً له، فقالوا: يارسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال: “هل تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحوًا ؟ قلنا: لا، قال: فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذٍ، إلا كما تضارون في رؤيتهما”،
فلاشيء أفرح للمؤمنين بنعيمهم في الجنة مثل فوزهم برؤية الرحمن -عز وجل- ، فقد روى مسلمٌ في صحيحه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : “إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئًا أزيدكم؟، فيقولون : ألم تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، قال : فما أُعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل ” -وفي رواية وزاد-” ثم تلا هذه الآية “للذين أحسنوا الحسنى وزيادة”.

 
فنسأل الله تبارك وتعالى أن يهدينا للإيمان والإسلام والسنة، وأن يثبتنا على دينه وأن يدخلنا الجنة مع الأبرار، وأن يعصمنا من الفتن والنار، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ياذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم إنا نسألك الجنة وماقرب إليها من قَوْلٍ أو عمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قَوْلٍ أو عمل، اللهم ارحم والدينا كما ربونا صغارًا، اللهم اجمعنا وإياهم في جنات النعيم يارب العالمين، والحمد لله رب العالمين .