¤ الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين القوي العزيز القائل في كتابه العزيز: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ” [الحج١-٢].
والصلاة والسلام على رسول الله القائل “إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ: “وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ”
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين .

أما بعد : فياعباد الله، اتقوا الله تعالى حق التقوى، واعتبروا بما حولكم واتعظوا ، ولا تعصوا رب العالمين ؛الذي خلقكم لعبادته ، وأرسل لكم رسوله لطاعته ،واعتبروا بمن عصى وبغى كيف دمرهم الله ؟! فإن الله ينتقم إذا انتهكت محارمه، وعقابه شديد ، وحسابه سريع، وهو أرحم الراحمين، يرسل بالآيات تخويفًا للمؤمنين ، وينتقم من الظالمين والله حكيم عليم فيما يقضيه ويقدره كما أن الله عليم فيما شرعه وأمربه، وهو سبحانه يخلق ماشاء من الآيات ويقدرها؛ تخويفًا لعباده وتذكيرًا لهم بما يجب عليهم من حقه وتحذيرا لهم من الشرك والمبتدعات ومن المعاصي والمخالفات كما قال تعالى: “وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا” [الإسراء-٥٩].
وكما قال تعالى: “سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ” [فصلت-٥٣].
وقال تعالى : “قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ” [ الأنعام-٦٥].
روى البخاري في صحيحه عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال : لما نزل قوله تعالى : “قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ” ،قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:” أعوذ بوجهك ، قال : “أو من تحت أرجلكم” قال : أعوذ بوجهك*”
وروى الأصبهاني عن مجاهدٍ في تفسير هذه الآية:” قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ” قال: الصيحة والحجارة والريح، قال : “أو من تحت أرجلكم” قال: الرجف والخسف.”

عباد الله إن ما حصل ويحصل مما يضر بالعباد ويسبب لهم الأذى ، وأنواعًا من الأذى كله بأسباب الشرك والمعاصي كما قال سبحانه: “مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ” [النساء-٧٩].
وكما قال تعالى عن الأمم الماضية: “فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ”[العنكبوت-٤٠].
فالواجب على كل مسلم ومسلمة التوبة إلى الله والاستقامة على دين الله ،والحذر من كل ما نهى الله عنه من الشرك والبدع والمعاصي والمنكرات ؛حتى تحصل لهم العافية و النجاة في الدنيا والآخرة من جميع الشرور، وحتى يدفع الله عنهم كل بلاء ويمنحهم كل خير كما قال تعالى: “وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ” [الأعراف-٩٦].
فالواجب على المسلمين الاستغفار والتوبة فنستغفر الله ونتوب إليه من جميع الذنوب والخطايا ، ونعوذ بوجهه الكريم من كل عذابٍ أليم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

¤ الخطبة الثانية:

الحمد لله القوي العزيز القائل “وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مسطورًا وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ۚ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا ۚ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا” [الإسراء ٥٨-٥٩].
والصلاة والسلام على من بعثه الله بشيرا ونذيرا وسراجا منيرا محمد ابن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه 

أما بعد :

عباد الله إن كثرة الزلازل في آخر الزمان تعتبر علم من أعلام النبوة ،وهي من علامات قرب الساعة قال تعالى: “أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ” [التوبة-١٢٦].
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى : “وقد يأذن الله سبحانه للأرض في بعض الأحيان بالتنفس فتحدث فيها الزلازل العظام ، فيحدث من ذلك لعباده الخوف والخشية والإقلاع عن المعاصي والتضرع إلى الله سبحانه والندم ؛كما قال بعض السلف لما زلزلت الأرض : “إن ربكم يستعتبكم”، وقال عمر ابن الخطاب -رضي الله عنه- وقد زلزلت المدينة فقال وقد خطبهم ووعظهم : “لإن عادت لا أساكنكم فيها” انتهى كلامه رحمه الله .
فالواجب رحمكم الله عند حصول الزلازل والآيات والكسوف والرياح الشديدة المبادرة بالتوبة، والضراعة إلى الرحمن كما قال -صلى الله عليه وسلم- عند الكسوف : “فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعاءه واستغفاره”
ويستحب أيضًا : رحمة الفقراء والمساكين والتصدق لهم وللمنكوبين ؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “ارحموا ترحموا” ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: “الراحمون يرحمهم الله ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء”
وكان عمر بن عبد العزيز – رحمه الله- يكتب لأمراءه عند حدوث الزلزلة أن يتصدقوا”
فالصدقة ؛تدفع العذاب ،وترفعه وهي دلالة الرحمة عند العبد “والمسلم للمسلم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر”، فما حصل لإ خواننا المسلمين في سوريا وتركيا أمرٌ كتبه الله فعلينا أن نقف معهم بما نستطيع، وبالدعاء.
والحمد لله رب العالمين أننا في هذا البلد جميعًا ولاةً وشعبًا؛ لما أصيب إخواننا المسلمون ذرعوا لمساعدتهم وأرسلوا المعونات والصدقات، فالحمد لله رب العالمين، ونسأل الله بهذا وبهذه المساعدات أن يرفع الله العذاب عن المسلمين وأن يرحم المسلمين، ونسأل الله أن يعافي إخواننا المسلمين في كل مكان وأن يرفع عنهم البلاء ونستغفر الله تعالى ونتوب إليه.
اللهم إنا نعوذ بك من الزلازل والمحن، ونعوذ بك من عذابك يارب العالمين، ونسألك ياربنا أن تهدي ضال المسلمين، وأن ترد المسلمين إلى دينهم ردًا جميلًا ، اللهم الطف بإخواننا المسلمين في سوريا وتركيا اللهم الطف بهم ياذا الجلال والإكرام، اللهم اجبر مصابهم واشف مرضاهم وارحم موتاهم يارب العالمين، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات ياذا الجلال والإكرام، والحمد لله رب العالمين