▪الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ،ومن يضلل فلا هادي له ،وأشهد ألا إلٰه إلا الله وحده لا شريك له ،وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ “ [آل عمران-١٠٢]
“يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ، واحِدَةٍ، وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ونِسَاءً واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا” [النساء-1].
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيم” [الأحزاب-٧٠]
أما بعد : فإن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالةٍ في النار*
أما بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ،وبالاتعاظ والاعتبار بقصص الأوليين وأخبار النبيين .
عباد الله إن الله تعالى أنزل القرآن الكريم فيه شفاء وهدىً للعالمين ؛ شفاءٌ في أخباره ، شفاءٌ في أحكامه ، شفاءٌ مواعظه ، شفاءٌ للأبدان ، وشفاءٌ للقلوب ، وهو تذكرة للعباد .
عباد الله إن من الأخبار التي يذكرها الله في كتابه عظةً وعبرةً للعالمين ، قصص وأخبار الأنبياء كما قال تعالى : “لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ” [ يوسف-١١١].
عباد الله ومن القصص التي ذكرها الله في كتابه ، ذكرها إجمالا وتفصيلا ، وأكثر من ذكر أخباره في القرآن أكثر من غير من الأنبياء ؛ نبي الله موسى ابن عمران عليه السلام .
ذكر الله أخباره مع بني إسرائيل ، وذكر أخباره مع فرعون وقومه ووزيره هامان ، وذكر أخباره منذ كان وليدًا في حضن أمه وكيف حماه الله عز وجل إلى أن بعثه الله نبيًا إلى بني إسرائيل .
ذكر الله في كتابه من ذلكم قوله تعالى ﷽ ” طسم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ نَتْلُو عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ” [ القصص١-٦].
في هذه الآيات ذكر الله مختصر ما حصل بين موسى -عليه السلام – وفرعون وقومه ، لقد كان بنو إسرائيل خير أهل الأرض في ذاك الزمان ؛ كانوا مؤمنين اتبعوا موسى عليه السلام ، وكان يستضعفهم فرعون ، وكان يدعي الربوبية وكان يقول “أنا ربكم الأعلى” ، وكان يعذب من لا يؤمن به إلٰهً وكان يستضعف قوم موسى عليه السلام ، فأراد الله بحكمته الغالبة أن يوجد رجلًا من بني إسرائيل يقلب الموازين ، وينصر المظلومين ، ويجعل العاقبة لهم، ويجعل ملك مصر لهم ويهين فرعون ، فكانت الأخبار والبشائر من بقايا دين إبراهيم عليه السلام أن الله يبعث نبيًا من بني إسرائيل في مصر ليقضي على فرعون وجبروته ، وينصر المظلومين من بني إسرائيل ، ويجعل لهم التمكين في الأرض ، ويجعل منهم أئمةً يهتدى بهم لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ، ربى الله موسى ، وأنقذه من فرعون ؛حيث كان فرعون يرسل رجاله إلى البيوت فإذا وجدوا طفلًا مولودًا ذبحوه، فقتل كثيرًا من الأطفال ؛ليقضي على تلك الأخبار التي ظهرت بإنه سيخرج نبيًا من بني إسرائيل يقضي على فرعون ، فكان فرعون وجنوده يخافون هذا الخبر ولكن الله تعالى أحاط موسى عليه السلام برعايته وحفظه ، وذكر الله قصته مع أمه وكيف ،أرجعه لأمه يرضع من ثدي أمه ، ويعيش في بيت فرعون معززاً مكرمًا في عيشٍ من الرغد ، وهو الذي سيكون عدوًا لهم .
ثم ذكر الله عز وجل قصة خروج بني إسرائيل من مصر ، وخروجهم من البحر ، حيث أمره الله تعالى أن يأخذ قوم بني إسرائيل بعد أن بعثه الله نبيًا عندما قدر له الله بإنه هرب من مصر إلى مدين خوفًا من أن يقتله فرعون ؛ لإنه قتل رجلًا منهم ، ولكن هذا الهروب كان مقدرًا لموسى عليه السلام ليكون نبيًا من الأنبياء ، فبعثه الله رسولًا لبني إسرائيل ولما أخذ قوم موسى إلى البحر ،فأخذ يسير على قدميه هو وبني إسرائيل، فجعل الله البحر يبسًا والبحر يمينًا وشمالًا عنهم ، فلما خرجوا من البحر ولحقه فرعون وجنوده قال قوم موسى “إنا لمدركون” قال “كلا إن معي ربي سيهدين ” فلما دخل فرعون وقومه البحر أطبق عليهم البحر بأمر الله عز وجل ،فأغرق فرعون وجعله عبرةً للعالمين ، وهكذا ينصر الله عباده للمؤمنين ويجعل الله العاقبة للصابرين ويمكن الله الضعفاء في الأرض المؤمنين .
فيا عباد الله ارجعوا إلى كتاب الله واقرأوا تفاصيل قصة موسى عليه السلام ففيها العظات والعبر أن الله لا ينسى عباده المؤمنين ،وأن الباطل مهما تعاظم ومهما تكبر ؛ فإنه يعود مغلوبًا مهزومًا و المستضعف المؤمن المتوكل على الله المستنصر بالله سينصره الله عز وجل مهما طال الزمان ومهما تكاثر الأعداء فإن الله ناصر عباده المؤمنين ، “إن النصر من عند الله وهو العزيز الحكيم” .
فيا عباد الله إن القرآن شفاءٌ لقلوب المؤمنين وعظةً وعبرةً لأولي الألباب والأبصار فتدبروا كتاب الله واعرفوا قصص الأنبياء ليعلم المؤمن أن العاقبة للمتقين في الدنيا والآخرة ، جعلني الله وإياكم من عباد الله المتعظين المعتبرين المؤمنين .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ،ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ،أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
▪الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين،
أمًا بعد :
عباد الله لقد جاء في الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما دخل المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء ، فسأل عن ذلك فقال :يومٌ تصومه اليهود فرحًا بنصر موسى وقومه على فرعون ، فقال -صلى الله عليه وسلم-: “نحن أحق بموسى منهم ، لأن حييت إلى قابل لأصومنّ التاسع – أي: مخالفةً لليهود-“ ، فأصبح المشروع في صيام يوم عاشوراء :
أن يصوم اليوم العاشر حيث سُئل عنه النبي- صلى الله عليه وسلم عنه فقال : “يكفر السنة الماضية” ، ويصوم مع العاشر يوم التاسع مخالفةً لليهود واتباعًا لما قاله النبي صلى الله عليه وسلم.
وجاء في حديثٍ آخر ” صوموا يومًا قبله أو يومًا بعده” وفي رواية “صوموا يومًا قبله ويومًا بعده”
فكان أفضل الصيام فيما يتعلق بعاشوراء: أن يصوم التاسع والعاشر والحادي عشر .
والمرتبة الثانية : أن يصوم التاسع والعاشر .
والمرتبة الثالثة : أن يقوم العاشر وحده .
فاستغلوا هذا الموسم ياعباد الله بعبادة الله فإن المشروع فيه الصيام وأما ماسوى ذلك من الأمور المبتدعة التي يضعها الرافضة من دعوى البكاء على الحسين فهذا كذبٌ وزور ، ونحن أحق بالحسين وآل البيت منهم ؛ فإنهم يدعونهم أولياء لهم زورًا وبهتانًا وهم يطعنون في علي وفي الحسين وفي آل البيت، وهم من أهل السنة والجماعة ومن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم -وأهل السنة أولى بآل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- من هؤلاء المشركين ، ونحن نترضى على علي كما نترضى على أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلى الحسن والحسين ونحبهم ونواليهم وأما أولٰئك الضالون الذين يألهون عليًا والحسين؛ فإنهم على شركٍ وضلال ، وما يفعلونه في يوم عاشوراء من الصياح والنياح وضرب الخدود وجلد الظهور كله خزعبلات وأباطيل ، استغلها الغرب في تشويه الإسلام إظهارًا لهم أن هؤلاء هو المسلمون ، يخرجون الدماء من رؤوسهم ومن أطفالهم والإسلام بريءٌ من هذه الخزعبلات والأباطيل ، ليس شيُءٌ مشروعًا في يوم عاشوراء إلا الصيام ؛ فإن النبي- صلى الله عليه وسلم- صامه وأمر بصيامه وأمر بصيام يومًا قبله أو يومًا بعده ،
نسأل الله أن يوفقنا للإيمان والاتباع ، وأن يرزقنا الإيمان الصادق والعمل الصالح ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمين والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ياذا الجلال والإكرام ،
اللهم إنا نسألك العافية في ديننا ودنيانا، اللهم إنا نسألك الجنة وماقرب إليها من قَوْلٍ وعمل، ونعوذ بك من النار وماقرب إليها من قول وعمل ، والحمد لله رب العالمين