▪️الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه : “وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ*” [الحج -٧٨].
وأشهد ألا إلٰه إلا الله الحق المبين ، وأسعد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله بعثه الله رحمةً للعالمين وسراجًا منيرًا للمتقين ، وقائدًا للغر المحجلين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أما بعد : فيا عباد الله اتقوا الله تعالى حق التقوى وراقبوه في السر والنجوى واشكروه على نعمة الإسلام وتيسير أحكامه “يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ” [البقرة – ١٨٥]، “لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا”[البقرة -٢٨٦].،” يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا” [النساء-٢٨].
عباد الله أن ديننا دين يسر لا دين مشقة وحرج يضع لكل حاجةٍ ما يناسبها من الأحكام ، مما تتحقق مصلحة ، وتنتفي المشقة ، ومن ذلك ما شرعه الله في حاجة الوضوء خاصةً في حال الشتاء والبرد ، أو في حالة السفر والمشقة، أو في حالة الحرب وعلى الانسان جبيرة ، فإن الله تعالى شرع لعباده في كتابه أو على لسان رسوله محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- المسح على الخفين ، وقد ثبت روايات المسح على الخفين عن سبعين من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ونقل ابن المنذر وغيره إجماع العلماء على ثبوته وشرعيته وجوازه ، واتفق أهل السنة والجماعة على سنيته وثبوته وشرعيته بخلاف المبتدعة الرافضة الذين لايرون جوازه؛ لإنهم لايرجعون في عبادتهم لا إلى كتابٍ ولا إلى سنةٍ ولا إلى إجماع الصحابة والسلف ، روى البخاري ومسلمٌ في صحيحيهما عن المغيرة ابن شعبة -رضي الله عنه-قال: “كُنت مع النبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- في سَفَر، فأهْوَيت لِأَنزِع خُفَّيه، فقال: دَعْهُما؛ فإِنِّي أدخَلتُهُما طَاهِرَتَين”،
وروى البخاري ومسلم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما -قال: “كنتُ مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر فبَالَ, وتوَضَّأ, ومَسَح على خُفَّيه”،
فهذه الأحاديث وغيرها يا عبادالله تدل على رخصة المسح على الخفين ، والمسح يرفع الحدث ، ويقوم مقام الماء عند الوضوء برفع الحدث الأصغر أما الحدث الأكبر فلايجزئ إلا الغسل لماروى أحمد والترمذي وغيرهما من حديث صفوان ابن عسّال -رضي الله عنه- أنه قال: “أمرنا أَن لا ننْزعَ خفافَنا إذا كنا سفرًا إِلاَّ مِنْ جنَابةٍ”.
ومدة المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيامٍ بلياليها ، وللمقيم في البلد يومٌ وليلة وذلك لماروى مسلمٌ في صحيحه أن النبي -صلى الله عليه وسلم -قال ” للمسافر ثلاثةِ أيامٍ بلياليهن وللمقيم يومٌ وليلة ”
وابتداء المدة للمسح يكون من الحدث بعد اللبس لإن الحدث هو الموجب للوضوء ، مثاله: لو أن إنسانٌ توضأ لصلاة الفجر وأدخل خفيه في رجليه بعد غسلهما ثم استمر على طهارته إلى صلاة الظهر ثم نام ، فإذا استيقظ لصلاة العصر وتوضأ ومسح على خفيه فإن هذا هو بدء زمن المسح فيبقى إلى مثل هذا الوقت إن كان مقيمًا وبعد ثلاثة إيامٍ إن كان مسافرًا .
ويشترط المسح على الخفين : أن يكون قد أدخل رجليه في الخفين طاهرتين لما سبق من حديث المغيرة ابن شعبة لقوله -صلى الله عليه وسلم-: “دعهما فإني ادخلتها ظاهرتين”
والشرط الثاني : أن يكون الخف ساترًا للقدم سواءًا كان الخف من جلدٍ أو من صوفٍ أو وبر أو قطن أو غير ذلك .
وأما الجبيرة فلها أحكام أخرى الجبيرة ونحوها من الرباط : فإنه يمسح عليها من الحدث الأصغر والحدث الأكبر ، وليس للمسح على الجبيرة وقتٌ محدد فيمسح عليها إلى نزعها أو برء ما تحتها، والدليل على المسح على الجبيرة الحديث الذي رواه أبو داوود وغيره عن جابر -رضي الله عنه -: “خرجنا في سفر فأصاب رجلٌ منّا حجر فشجه في رأسه ،ثم احتلم فسأل أصحابه هل تجدون لي رخصة للتيمم ؟ قالوا : ما نجد لك رخصةً وأنت تقدرُ على الماء فاغتسل فمات ، فلما قدمنا على الرسول -صلى الله عليه وسلم- أُخبِرَ بذلك فقال : “قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه خرقةً ثم يمسح عليها”
فيا عباد الله تعلموا أحكام دينكم ، وتفقهوا في دينكم ، لتحسنوا عبادتكم؛ خاصةً وما يتعلق بالوضوء والطهارة والمسح والتيمم وغير ذلك، واشكروا ربكم على يسر أحكامه وعلى سماحة الشريعة الإسلامية .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
▪️الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمًا بعد : عباد الله إن مما يجب التنبيه عليه أمرٌ منتشر بين الناس ، نشأ عليه الكبير، وتربى عليه الصغير ، وأصبح أمرًا معتادًا عند الكثير ذكورًا وإناثًا كبارًا وصغارًا مما تسبب ترك الصلوات وأمراض جسديةٌ ونفسية ، وتوترٌ عصبيٌ عند الناس ، وألم الرأس ،وغير ذلك مما يترتب عليه ومنه خفوق التفوق الدراسي عند الطلاب ؛ ألا وهو هذا الحدث وهو السهر تجد الأسر والرجال والنساء يسهرون الليل كله فإذا أقبل وقت صلاة الفجر ناموا النهار كله لا صلاة في وقتها ولايصلون حتى يأتي الليل ، هذا خلاف هدي الإسلام ، وخلاف هدي الرسول -صلى الله عليه وسلم- فلقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يكره النوم قبل العشاء ويكره الحديث بعد العشاء وهذه الكراهة قد تصبح محرمًا إذا فوّت على نفسه الصلوات ، إن السهر يترتب عليه مفاسد كثيرة منها : فوات صلاة الفجر ، ومنها : فوات قيام الليل وصلاة الوتر والاستغفار وقت الأسحار ؛ وهذه كل مشروعة فقد مدح الله المؤمنين الذين يستيقظون بالسحر يدعون ربهم ويوترون ويستغفرون الله حيث قال عز وجل : “وبالأسحار هم يستغفرون” ..
وهذه كلها تروح تذهب إذا سهر الإنسان الليل كله بأحاديث وسواليف وربما عند الرجال معصية وهو لعب الورق وهي محرمة ،والمباح اذا كان مباحًا فإنه ينتقل إلى حرام إذا كان يؤدي إلى فوات واجب ، ويتسبب السهر بأمراض جسيمة فإن كثيرًا ممن يصاب بتوتر الأعصاب ، ويترتب عليه أضرار جسدية ومنها : ضعف العقل ، وضعف الذكاء عند الطلاب وضعف التفوق الدراسي ؛كل هذا من أسباب السهر ، أمراضٌ دينية وأمراض دنيوية وجسدية ، وخير الهدي هذي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- كان يكره النوم قبل العشاء ويكره الحديث بعد العشاء ، إن الذي يسهر فوت على نفسه خيرًا كثيرًا منها قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “ينزل ربنا في السماء الدنيا في الثلث الآخر من الليل فيقول :من يدعوني فأستجيب له ،من يسالني فأعطيه ،من يستغفرني فأغفر له” وهذه تفوت على كثيرٍ من الناس قد حرموا منها لما كانوا يقضون أوقاتهم باللهو والسهر والأحاديث ولعب الورق وغير ذلك من المنكرات.
فيا عبادالله ينبغي لنا أن نكون أمةً تراقب الله ، أمةً تطبق الإسلام في كل شؤونه ، نعظم صلواتنا نعظم ديننا ونتبع رسولنا ،ولا نقلد غيرنا ممن لايولي هذه الأمور اهتمامًا ، نحن أمة من الله علينا بالإسلام، وبشريعة رسول الله بأن نجعله قدوةً نقتدي بها ونتأسى به في أموره كلها صلى الله عليه وسلم.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى العفاف والغنى، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى العفاف والغنى، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قَوْلٍ أو عمل ونعوذ بك من النار وماقرب إليها من قَوْلٍ أو عمل ، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك ، إلٰهنا أغثنا ، ربنا أغثنا، اللهم أغثنا اللهم أغثنا ، اللهم أنزل علينا المطر والغيث يارب العالمين ، واجعله رحمةً لا غضب ، اللهم اجعله رحمةً لاغضب، اللهم ارحمنا برحمتك الواسعة واغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ، والحمد لله رب العالمين .