...
▪️الخطبة الأولى: 
الحمد لله الكبير المتعال ، المجازي عباده في الحال والمآل ، وأشهد ألا إلٰه إلا الله ذو العظمة والجلال ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل العالمين في كل الخصال ، اللهم صلى وسلم على محمدٍ وعلى آله وصحبه خير صحبٍ وأشرف آل .
أما بعد ، أيها الناس اتقوا الله تعالى “واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله” ، فيجازي كل عاملٍ بعمله إن خيرًا فخير،  وإن شرًا فشر . 
اعلموا إنكم ملاقوا ربكم ومحاسبكم يوم القيامة ليومٍ تجد فيه كل نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضرًا وما عملت من سوء تجده محصى عليها مسطرًا ، يومًا يضعف فيه الرجال ، وتنسف فيه الجبال ، وتترادف فيه القلاقل والأهوال، وتشهد فيه الجوارح ىالأوصال ، يوم تبلى فيه السرائر ، ويظهر فيه مافي القلوب والصمائر، ويصير الباطن فيه ظاهرًا  والسر علانية ، والمستور مكشوفًا، والمجهول ظاهرًا معروفًا ، يوم يحصل ويبدوا مافي الصدور ، ويبعثر ويخرج مافي القبور ، وتجري فيه أحكام الرب على القصود والأعمال والنيات ، كما جرت أحكامه في هذه الدار على ظاهر الأقوال والحركات ، ذلك اليوم ينقسم فيه الناس الى أناسٍ تبيض وجوههم وأناسٌ تسود فيه وجوههم ، ” يوم تبيض وجوه “ وجوه أهل البر والصدق والنصيحة والإخلاص ،” وتسود وجوه “ وجوه المجرمين ، والمعاندين ، والمشركين ، ويعز عليهم الخلاص ، يوم توضع فيه الموازين وتنشر الصحف والدواوين    “فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُورًا وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَىٰ سَعِيرًا إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ بَلَىٰ إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا” [الانشقاق/٧-١٥].
ذلك اليوم يوم لايعرف والدٌ ولده ، ولا ولدٌ ولده كلٌ يريد الفرار ، كل يريد النجاة “يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةً وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ” [عبس/٣٣-٤٠].
“وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُون وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَٰئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ” [ الروم/١٤-١٦].
 
اللهم إنا نسألك النجاة يوم الحساب، اللهم إنا نسألك النجاة والفوز يوم الحساب.  
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
 
▪️الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعدُ فيا عباد الله  إن أهل الحسنات ناجون يوم القيامة، وإن أهل السيئات ؛ إما أنهم ذاهبون إلى النار ، وإما أن يكونوا تحت مشيئة الله إن شاء غفر لهم وإن شاء عذبهم ،  والسيئات منها سيئاتٌ مخلدةٌ في النار كالشرك والكفر والنفاق الاعتقادي ، فأصحاب هذه السيئات مخلدون في النار ، وأما أصحاب السيئات من المعاصي والكبائر فهم تحت مشيئة الله إن شاء عذبهم ، وإن شاء غفر لهم كما قال تعالى : “إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا” [النساء-٤٨].
وأما أهل النفاق الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر والعناد لشريعة الله فهؤلاء كما أخبر الله عنهم : “إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار “ وهناك أصنافٌ تساوت سيئاتهم وحسناتهم،  فأما من جمع بين السيئات والحسنات فيجازي على كلٍ منهما “هل تجزون إلا ما كنتم تعملون” وأما من استوت حسناته وسيئاته هؤلاء هم أهل الأعراف يبقون بين الجنة والنار مدة ثم تدركهم رحمة الرب الكريم فيكون مآلهم إلى جنات النعيم .
فاعملوا أيها المسلمون لهذا اليوم لعلكم تفلحون ، “وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ”[البقرة-٢٨١].
ولاتغرنكم الدنيا بزخارفها وشهواتها، فإنكم لها مفارقون وعند الله يوم القيامة محاسبون “والكيس من دان نفسه وعمل لنا بعد الموت” ولا  تخدعنكم الأماني الكاذبة والتسويف فإنكم لاتدرون متى تقبضون ، لاتؤخرون التوبة فلا يدري أحدكم متى يلقى الله ؟
ولا يدري أحدكم بأي ساعة من ليل أو نهار تقبض روحه ، فعدوا لهذه الساعة عدتها ، وتزودوا ليوم الآخر وخير الزاد التقوى ؛ “يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ وَٱخْشَوْاْ يَوْمًا لَّا يَجْزِى وَالِدٌ عَن وَلَدِهِۦ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِۦ شَيْـًٔا ۚ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ” [ لقمان-٣٣].
فكم ضحك الشيطان وأغرى الناس بالدنيا وبشهواتها وملذاتها حتى عصوا رب العالمين وساروا خلف شهواتهم حتى لقوا الله، فاتقوا الله، وإن الفائزين هم من قدموا التقوى ، الفائزون يوم القيامة من كان اتقى الله في جميع أحواله كما أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه : “اتق الله حيثما كنت” ،وكما قال الله سبحانه و تعالى: “وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ” [آل عمران/١٣٣-١٣٦].
اللهم اجعلنا من عبادك المتقين ، اللهم اجعلنا من عبادك المتقين ، اللهم انا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، اللهم إنا نسالك العافية في الدنيا والآخرة ، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في ديننا ودنيانا وفي أهلنا وأنفسنا وأموالنا ، اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا ونعوذ بك أن نغتال من تحتنا ، اللهم إنا نسألك الجنة وماقرب إليها من قَوْلٍ أو عمل ونعوذ بك من النار وماقرب إليها من قَوْلٍ أو عمل ، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم أغثنا ،اللهم أغثنا ،اللهم أغثنا يارحمن ، اللهم أغثنا غيثًا هنيئا مريئًا غدقًا نافعًا يارب العالمين ، نستغفر الله ونتوب إليه ، نستغفر الله ونتوب إليه ، نستغفر الله ونتوب إليه، والحمد لله رب العالمين
Seraphinite AcceleratorBannerText_Seraphinite Accelerator
Turns on site high speed to be attractive for people and search engines.