¤ الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين فرض على عباده حج بيته فقال: “وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ” [ آل عمران -٩٧].
وجعل فرضه في أشهرٍ معلومات وجعل للحج آدابًا ليكون حج المسلم حجًا مبرورًا ، فقال عز وجل: ” الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ” [البقرة-١٩٧].
والصلاة والسلام على رسول الله القائل : “من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه” صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين أنا بعد:
فيا عباد الله اتقوا الله تعالى وأطيعوه واعبدوا ربكم واشكروه ، وتقربوا إليه بالأعمال الصالحات واستغفروه؛ فإن الله تعالى خلقكم لذلك، وبين لكم حقه عليكم، ووعدكم على ذلك بالحياة الطيبة والفوز بنعيم الآخرة : “من عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” [النحل- ٩٦].
عباد الله إن الحج فريضةُ الله على عباده أمر الله بها عباده في كتابه وفي سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ورتب عليه ثمارًا عظيمة في الدنيا والآخرة قال -صلى الله عليه وسلم-: “تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة”، وقال -صلى الله عليه وسلم-:” والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة”
وللحج آدابٌ وأمورٌ مستحبات من أكملها أكمل حجه وكان حجه حجًا مبرورًا و من حج حجًا مبرورا فليس له جزاءٌ إلا الجنة ، فمن هذه الآداب:
** تعظيم شعائر الله وتعظيم حرمه وتعظيم أشهره الحرام : “ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ” [ الحج-٣٢].
وقال تعالى : “إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ” [الحج – ٢٥].
قال تعالى: “ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ” [الحج- ٣٠].
ومن الآداب الواجبة في الحج:
**أن يخلص لله تعالى في حجه وأن يتبع فيه هدي نبيه- صلى الله عليه وسلم -لقوله صلى الله عليه وسلم-: “خذوا عني مناسككم”
** وينبغي لمن أراد حجًا المبادرة بالتوبة النصوح من جميع الذنوب والخطايا لقوله تعالى: “وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” [النور- ٣١].
** وينبغي أن يختار لحجه وعمرته نفقةً طيبةً من مالٍ حلال لما صح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال :“إن الله تعالى طيبٌ لا يقبل إلا طيبًا” ثم ذكر في الحديث “الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يارب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك”
وقال -صلى الله عليه وسلم-: “إذا خرج الرجل حاجًا بنفقةٍ طيبة ووضع رجله في الغرز فنادى لبيك اللهم لبيك ، ناداه منادٍ من السماء لبيك وسعديك زادك حلال ،وراحلتك حلال ، وحجة مبرور غير مأزور ، وإذا خرج الرجل بنفقةٍ حرام ووضع رجله في الغرز فنادى لبيك اللهم لبيك، ناداه منادٍ من السماء لا لبيك ولا سعديك زادك حرام ونفقتك حرام وحجك غير مبرور”
ومن الآداب ياعباد الله :
** على الحاج أن يتعلم مناسك حجه ليعبد الله على بصيرة وليوافق حجه حج النبي -صلى الله عليه وسلم- فيكون بذلك حجه حجًا مبرورًا ، فيفرز فوزًا عظيمًا ويرجع بمغفرة الذنوب والأجور العظام ، فإن تعلم أحكام نسكه وإلا فليصحب في حجه الأخيار الصالحين وأهل التقوى والعلم والدين ليكونوا عونًا له على الطاعة والبصيرة في الحج ، وليحذر من صحبة السفهاء والفسّاق فإن الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل.
** وعليه أن يتجنب، الرفث والفسوق والجدال في الحج ، قال -صلى الله عليه وسلم- “من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه”
فاتقوا الله ياعباد الله وأطيعوا ربكم واتبعوا نبيكم تفلحوا وتهتدوا .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : “وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ” [ الحشر -٧].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ،ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
¤ الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وفرض علينا عبادته بأنواعٍ من العبادات، لتكثر بها الحسنات وتكفر بها السيئات، وتعلوا بها الدرجات، والصلاة والسلام على من بيّن الدين وبلغه ، وأدى الأمانة ووضحه ، وبين للأمة السنة والإيمان .
أمًا بعد:
عباد الله إن من المقررات الشرعية أن الضرر يزال ، ودليلها من الكتاب قوله تعالى: “وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا” [النساء- ٢٩].
وقوله -صلى الله عليه وسلم- “لاضرر ولا ضرار”، وتطبيقه في الحج ما جاء في الحديث “أفاض النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع وعليه السكينة وأمرهم بالسكينة” كل ذلك دفعًا للضرر عن بعضهم لبعض، وعلى من أراد الحج أن ينتبه لهذا الأمر الجليل فالحج ، وقبول الأعمال ليس بالشدة والمقاتلة، والمدافعة، بل المسلم يكون رحيمًا بإخوانه ويتجنب الضرر عن نفسه وعن إخوانه المسلمين ، ومن ذلكم ياعباد الله أن يتقي المسلم ويتجنب ضربات الشمس حفاظًا على النفس التي يعد حفاظها من الضروريات الخمس التي جاء الشرع بالأمر بحفظها .
عباد الله أكثروا في هذه الأيام من التكبير المطلق ، “الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إلٰه إلا الله ،الله أكبر الله أكبر ولله الحمد”
فقد قال -صلى الله عليه وسلم- “ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتحميد والتسبيح والتكبير” وفي رواية : “فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد”
واحرصوا عباد الله على صيام يوم عرفة فقد حث النبي -صلى الله عليه وسلم -على صيامه وثبت عنه : “أن صيام يوم عرفة يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده”.
هذا وصلوا وسلموا على النبي المختار والمجتبى المصطفى -صلى الله عليه وسلم- فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد،
وبارك اللهم على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
وارضى اللهم عن خلفاءه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحب الكرام ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات ياذا الجلال والإكرام ، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قولٍ وعمل ونعوذ بك من النار وماقرب إليها من قَوْلٍ أو عمل ، اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحبه وترضاه وانصر بهم دينك وسنة نبيك -صلى الله عليه وسلم- ، اللهم وفق حجاج بيتك الحرام ، اللهم يسر لهم أمورهم ياذا الجلال والإكرام والحمد لله رب العالمين.