الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن الله إذا أراد بالمجتمع خيرا وفقه للإرتباط بالعلماء الربانيين، فكم يدفع الله عنهم بالعلماء من الفتن وكم يدفع ويرفع عنهم العقوبات بالعلماء لأنهم ورثة الأنبياء كما قال صلى الله عليه وسلم والعلماء ورثة الأنبياء .
والله عز وجل قال (وماكان الله ليعذبهم وأنت فيهم وماكان الله معذبهم وهم يستغفرون) والعلماء لهم النصيب الأكبر من إرث الأنبياء من بركة وجودهم من حيث النصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعاء واستجابة دعائهم، ولهذا ورد عن السلف أن الناس كانوا يستسقون بأهل الحديث.أي بدعائهم.
ويؤيد هذا ماجاء في صحيح البخاري من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالمًا -وفي لفظ حتى إذا لم يُبق عالماً-اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا.رواه البخاري في صحيحه في كتاب العلم باب كيف يقبض العلم.
وأورد حديثاً آخر في نفس كتاب العلم باب الإنصات للعلماء وأورد من حديث جرير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له في حج الوداع:استنصت الناس،فقال: لاترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض … ويتضح هذا مما أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم به كيف وقع قوم نوح في الشرك الأكبر لما مات العلماء ونسي العلم.
انظر كيف أنجى الله الأمة من فتنة المرتدين بالخليفة الراشد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكيف أنجى الله الأمة من فتنة الجهمية عندما دعوا الناس إلى القول بخلق القرآن بالإمام أحمد بن حنبل رحمه الله
وانظر لما عادت الشركيات والبدع للجزيرة العربية كيف أنجى الله الأمة بشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب وجدد لها توحيدها وبيان حق ربها عليها.
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ورضي عنه في مقدمة كتابه الرد على الزنادقة والجهمية: (الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى يحيون بكتاب الله الموتى ويبصرون بنور الله أهل العمى فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه وكم من ضال تائه قد هدوه فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عقال الفتنة فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب مجمعون على مفارقة الكتاب يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم فنعوذ بالله من فتن المضلين).
وهكذا لازالت المجتمعات في عافية من أمرها ما كانت مرتبطة بعلمائها. والمجتمعات التي ركنت للمخالفين وأهل الأهواء وإلى أصحاب الشبهات والشهوات من ليبراليين وأهل أفكار إلحادية وأفكار بدعية وطرق صوفية ومناهج حزبية كيف انتهى أمرها وتخبطت في شؤون حياتها وأصابها من عقوبات الله الحسية والمعنويةماأصابها،وأزيح عن حياتهم حقيقة التوحيد والسنة والعقيدة الصحيحة،وأبعدت عن شريعة الله ورجعت في أحكام حياتها للأنظمة الوضعية التي من وضع البشر ،فأصبحت في نظام حياتها أقرب إلى الحياة البهيمية ،كما أخبر الله عنهم في كتابه (إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلًا)
فإذا أرادت الأمة لنفسها العزة والتمكين وأن تستقيم في حياتها على الطريق المستقيم فلترجع إلى علمائها الربانيين ولتسر خلفهم فهذا هو سبيل نجاتها وسبيل دفع العقوبات عنها.قال الإمام مالك رحمه الله: لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما أصلح الله به أولها.
وقد نبه الله العباد إلى ذلك في كتابه وأمر به ،حيث قال عزوجل (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا)
قال السعدي في تفسيره:
(هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق. وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة ما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين، أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم، أهلِ الرأي: والعلم والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها. فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنين وسرورا لهم وتحرزا من أعدائهم فعلوا ذلك. وإن رأوا أنه ليس فيه مصلحة أو فيه مصلحة ولكن مضرته تزيد على مصلحته، لم يذيعوه، ولهذا قال: { لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } أي: يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة وعلومهم الرشيدة. وفي هذا دليل لقاعدة أدبية وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يولَّى مَنْ هو أهل لذلك ويجعل إلى أهله، ولا يتقدم بين أيديهم، فإنه أقرب إلى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ)
هذا والله الموفق والهادي إلى سبيل الرشاد.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وكتبه د.عبدالله بن صلفيق الظفيري
السبت ١٨شعبان ١٤٤١